هذه المقالة جزء من محاضرة ألقاها الأستاذ الدكتور مصطفى جطل ضمن أسبوع اللغة العربية
المقال بعنوان : مشكلات التعلم والتعليم في اللغة العربية
المشكلات العامة في عملية التعليم :
مسألة التعليم مسألة أساسية في بناء المجتمع وتطوره وتقدمه أو تراجعه وفساده ودماره , إن كان التعليم جيداً فالحياة جيدة , وإن كان التعليم سيئاً فالمجتمع مهدّد بالمخاطر كلها ؛ الفساد والتخلف والانهيار .
والمشكلات العامة في التعليم تكمن في المعلم والمنهج وطريقة الإيصال , فاختيار المعلم لمراحل التعليم كافة في سورية والوطن العربي تجري على غير ما يجب أن تكون عليه , والاتساع في التعليم فرض على وزارات التربية تهاوناً وتساهلاً في قواعد الاختيار , ورحم الله ذلك الزمن الذي كان المرشح ليكون طالباً في دار المعلمين ثمّ ليكون معلماً في المرحلة الابتدائية كان يجلس أمام لجنة من التربويين والمختصين بالعلوم , فيسألونه في العلم والحياة والثقافة , ويختبرون قوة شخصيته وسرعة بديهته وأشياء يطول بيانها , فكيف نسلّم اليوم أبناءنا لمعلمين أو معلمات بعضهم جاء إلى هذه المهنة مقهوراً بلا زاد ولا معرفة ؟
والمنهج تدخلت في وضعه الوزارة تحقيقاً لأهداف الدولة والمجتمع , ولكنّ الذين اختارتهم لذلك لم يكونوا على قدر المسؤولية , فهؤلاء يجب أن يكونوا من العلماء الذين لا يؤمنون إلا بالبحث العلمي وسيلة وسبيلاً لوضع منهاج يحقق الأهداف , ويتدرج بالمعلومات .
وطريفة التوصيل مرتبطة بالمنهج والمعلم والاستعداد لدى المدرسة أو الوزارة لإغناء المدرسة بكل جديد متطور , لتكون المدرسة مكاناً محبباً للتلاميذ والطلاب يسعون إليه ؛ لأنه بيته أو لعله أجمل من بيوتهم .
المشكلات الخاصة بتعليم اللغة العربية :
- العربية محاربة : يحاربها المتربصون بالأمّة العربية , فقد زُيّنت لأولي الأمر وللمجتمع العلوم التجريبية , فالعصر عصر العلوم التكنولوجية , وكان ذلك على حساب العلوم الإنسانية وأولها وأغناها اللغة العربية , فلم يعد معلم العربية المعِّلم الأول , بل تراجع ليكون أثره ضعيفاً , وما عرف هؤلاء وأولئك أن العلوم التجريبية ذاتها سيضعف مستواها لأن الأساس فيها هو اللغة , وازدادت الأمور سوءاً في بعض الدول العربية حين أخذوا بنصائح العولمة , فأهملوا العربية , وأحلّوا الانكليزية محلّ الصدارة , وتبعتهم المدارس الخاصة في سورية وغيرها.
- الإيهام بصعوبة العربية : أُدخل في روع الناس أن العربية لغة صعبة , عصيّة على التعلم , هي لغة قديمة , وقواعدها بائدة , لا علاقة لها بالحداثة , ولا يمكن لها التعبير عن علوم العصر, وأنا أزعم أن اللغة العربية أسهل من كلِّ اللغات إن كان المجال مجال المقارنة بين السهولة والصعوبة , ولكنّ إضعاف الإحساس بالانتماء إلى العروبة يحتاج إلى مثل هذه المقولة , وأسهم المهتمون بالعربية عن حسن نية في هذا الوهم حين اعتقدوا أن النحو والإعراب هو الذي يعلِّم العربية , وأن الألفية مثل جيد لحفظ القواعد , والحقيقة أن النحو لا يتعدّى أن يكون سياجاً واقياً وحامياً , ويحتاج إلى أن يقدّم بصورة تليق بالعربية , أمّا تعلم العربية فلا يكون إلا من النصوص , قراءة ومنهجاً وبحثاً واستقصاء .
- الغربة بين بعض مسائل علوم العربية من جهة وبين الحياة المعاصرة من ناحية أخرى : لابدّ في اختيار عناصر المادة المدروسة , أو الكتاب المقرر في علوم العربية من التوازن بين النصوص التراثية والنصوص المعاصرة , ولابدّ من البعد عن افتعال تكوين نصوص غثّة باردة لتكون مثالاً لدروس علوم العربية , ويجب التضحية بكلّ القواعد والمسائل اللغوية التي لا صلة لها بحياتنا المعاصرة , ويجب أن توضّح العبارات المسكوكة في الإعراب أو المصطلحات النحوية القديمة كالتمييز والحال والمفعول المطلق ولا النافية للجنس وغيرها كثير , ويجب الاكتفاء بالصورة التي يجري عليها أكثر اللغة أو أكثر نصوصها الحديثة , ويجب البعد ما أمكن عن الجوازات التي جرّ إليها القياس أو التي جاءت تحت ما يسمى بالضرورة الشعرية , وأن يكون للإعراب وظيفة أساسية هي إدراك المعنى , ويجب التساهل في الشكل , وقبول التسكين مبدئياً .
- اختيار النصوص : النصّ النثري المختار يجب أن يتميّز بعنصري التشويق والإثارة , وأن يتم اختياره وفقاً لبحث علمي , والمرد من وراء ذلك التدرج المبني على التجربة , فتختار النصوص التي تغني الطالب بالمفردات من جهة وبالأساليب من جهة أخرى , ويجب ألا تطغى النصوص القطرية , لأن اللغة العربية عاملٌ من عوامل التوحيد , وأن يكون هنالك اتفاق بين مدراء التربية في الوطن العربي على ذلك .
- الاهتمام بالمعجم : لا أعرف لغة أغنى من اللغة العربية في معاجمها التراثية , ولكنها لتزيين المكتبات العامة أو بعض المكتبات الخاصة , ولا أعرف لغة من اللغات الحيّة أفقر من اللغة العربية في استخدام أبنائها للمعاجم العامة والخاصة , فنحن نفتقر في المعجم على تدريس طلابنا طريقة استخراج الكلمة من المعجم الذي يأخذ بآخر المفردة , والمعجم الذي يأخذ بأوائلها . والمعجم كنز من العلم والمعلومات اللغوية وغير اللغوية , والمتعلم يجب أن يكون على صلة بالمعجمات الخاصة والعامة , قيل هذا يجب أن تكون الثقافة المعجمية ثقافة عامة , ولابدّ من التوجه إلى هذا اللون من التأليف لأنه مازال قليلاً في الوطن العربي . نحن في حاجة إلى معجم معاصر يعنى بلغة الحياة التي نحياها حتى تقوم الصلة بيننا وبينه , فالصلة اليوم مقطوعة بالمعاجم القديمة لأنه لا فائدة منها .
- اللغة والأدب : العلاقة أساسية بينهما , والمزج أو الخلط بينهما يمكن أن يؤدي إلى مشكلة تعليمية , فأنا أقترح أن يتعلم الطالب في مرحلة التعليم الأساسي الأولى القراءة والكلام بالفصيحة , ثمّ يتدرب في مرحلة التعليم الأساسي الثانية على قضايا النحو والصرف والمعجم وغيرها من خلال نصوص فيها متعة وتشويق وفائدة , أمّا الأدب وقضاياه فيجب أن يترك للمرحلة الثانوية مع تذكير دائم بما كان من قواعد علوم العربية .
- التعبير : لا أعرف شكوى أكثر مرارة من شكوى التلاميذ والطلاب حين يكلفهم المعلم أو المعلمة بكتابة موضوع يعبرون فيه عن أمر ما , فلا المدرس يعرف الطريقة التي يوصل فيها الطلاب طريقة الكتابة , ولا الطالب قادر على الإبداع والابتكار لأنه لم يدرب على ذلك .
ودرس التعبير أو محاولة المتعلم التعبير عن شأن من شؤونه الخاصة أو من شؤون الحياة شيء له أهمية خاصة , وهو إحدى مهارات العربية ولعله أهمها .
للتخلص من هذه المشكلة أرى أن يختار المدرس موضوعاً كتب فيه هو أو غيره , ويطلب منهم بعد قراءته لهم ومناقشته معهم أن يكتبوا في الموضوع ذاته بعد أن يكونوا قد اطلعوا على نموذج أمامهم , وعليهم أن يتجاوزوهما أمكنهم ذلك ... ومع ذلك فالبحث في موضوع التعبير يحتاج إلى دراسة أعمق وأشمل وإلى تجريب مستمر حتى نصل إلى الطريقة المثلى لتعليم هذه المهارة .
- ازدواجية اللغة : ليست هذه المشكلة خاصة بتعليم اللغة العربية , فأغلب اللغات إن لم يكن كلها لديه ازدواجية في اللغات بل ازدواجيات , ولكنها تصبح مشكلة عصية على الحل حين يتم التعليم بالغة المحكية , وكأن التعليم بالفصيحة خاص بدرس اللغة العربية , بل إنني أزعم أن تعليم العربية يتم باللغة المحكية , وأزعم أيضاً أن بعض أساتذة الأدب والنحو في الجامعة يعلمون بالدارجة أو المحكية . والحقيقة أن التعليم بالفصيحة ليس مقصوراً على مدرس اللغة العربية , بل هو فرض واجب على كل من يعلم , فالفصيحة وسيلة التعبير السهلة والميسورة, وعلى من لا يستطيع ذلك أن يبتعد عن هذه المهنة , وهذا الأمر يجب أن يكون قراراً سياسياً أو وزارياً ترعاه الدولة .
- علم اللغة وتعليم اللغة : إن علم اللغة لا يعلم اللغة , إنه علم بقوانين اللغة , وفرق بين اللغة وقوانينها , فالقوانين سياج يحمي , ولكن التعلم لا يتمّ إلا من خلال الممارسة والدربة , والعدوى , فالقراءة الصحيحة للنصوص بصوت مرتفع , والكتابة بالفصيحة , ومنهم النصوص , وارتباط الكلام بعضه ببعض يؤدي إلى التعليم , ولابد من تسهيل هذا العلم , والتسهيل لا يتم إلا بتغيير القوانين , فالقانون ثابت , ولكن التسهيل يتم بإعادة النظر بالتعبير عن هذا القانون أو في اختيار القوانين اللغوية التي تشكل لغة الحياة المعاصرة .
- البيئة اللغوية : لابد من العمل على تنقية البيئة المكتوبة من الكلمات الأجنبية أو العامية , لقد شاعت في حياتنا الكتابة بالعامية أو بالأجنبية (( والكتابة بالأجنبية اعتراف بالضعف والتخلف )) للدعايات والإعلانات , فماذا يريد أعداء الأمة أكثر من ذلك ؟ إنّ ما أراده " ولكوكس " من رجال الحماية الانكليزية في مصر وهو الكتابة بلسان العامية المصرية قد تحقق بعد نضال في معاداته لأكثر من قرن من الزمان , إنّ البيئة اللغوية النظيفة تساعد على تعلم العربية الفصيحة .
- الإعلام : كان لابدّ للإعلام المسموع والمقروء والمرئي أثر بالغ في اتساع انتشار العربية الفصيحة , فالعربية الفصيحة التي يستخدمها الإعلام ولاسيما في نشرات الأخبار على ما فيها من أخطاء أسهمت في انتشار العربية , ولكن أصبح للإعلام دور سلبي وسيء في انتشار العاميّات , ولابد من إعادة النظر في هذا الأمر , فاستخدام الفصيحة البسيطة في المسلسلات يؤدي إلى انتشارها في الوطن العربي , ويؤدي إلى انتشار اللغة العربية الفصيحة أهم عامل للتوحيد . ولمّا كان الطفل يقضي ساعات طويلة أمام التلفاز , فإن تلك اللغة العامية التي لا نريدها تقف عائقاً أمام تعليم العربية الفصيحة .
المقال بعنوان : مشكلات التعلم والتعليم في اللغة العربية
المشكلات العامة في عملية التعليم :
مسألة التعليم مسألة أساسية في بناء المجتمع وتطوره وتقدمه أو تراجعه وفساده ودماره , إن كان التعليم جيداً فالحياة جيدة , وإن كان التعليم سيئاً فالمجتمع مهدّد بالمخاطر كلها ؛ الفساد والتخلف والانهيار .
والمشكلات العامة في التعليم تكمن في المعلم والمنهج وطريقة الإيصال , فاختيار المعلم لمراحل التعليم كافة في سورية والوطن العربي تجري على غير ما يجب أن تكون عليه , والاتساع في التعليم فرض على وزارات التربية تهاوناً وتساهلاً في قواعد الاختيار , ورحم الله ذلك الزمن الذي كان المرشح ليكون طالباً في دار المعلمين ثمّ ليكون معلماً في المرحلة الابتدائية كان يجلس أمام لجنة من التربويين والمختصين بالعلوم , فيسألونه في العلم والحياة والثقافة , ويختبرون قوة شخصيته وسرعة بديهته وأشياء يطول بيانها , فكيف نسلّم اليوم أبناءنا لمعلمين أو معلمات بعضهم جاء إلى هذه المهنة مقهوراً بلا زاد ولا معرفة ؟
والمنهج تدخلت في وضعه الوزارة تحقيقاً لأهداف الدولة والمجتمع , ولكنّ الذين اختارتهم لذلك لم يكونوا على قدر المسؤولية , فهؤلاء يجب أن يكونوا من العلماء الذين لا يؤمنون إلا بالبحث العلمي وسيلة وسبيلاً لوضع منهاج يحقق الأهداف , ويتدرج بالمعلومات .
وطريفة التوصيل مرتبطة بالمنهج والمعلم والاستعداد لدى المدرسة أو الوزارة لإغناء المدرسة بكل جديد متطور , لتكون المدرسة مكاناً محبباً للتلاميذ والطلاب يسعون إليه ؛ لأنه بيته أو لعله أجمل من بيوتهم .
المشكلات الخاصة بتعليم اللغة العربية :
- العربية محاربة : يحاربها المتربصون بالأمّة العربية , فقد زُيّنت لأولي الأمر وللمجتمع العلوم التجريبية , فالعصر عصر العلوم التكنولوجية , وكان ذلك على حساب العلوم الإنسانية وأولها وأغناها اللغة العربية , فلم يعد معلم العربية المعِّلم الأول , بل تراجع ليكون أثره ضعيفاً , وما عرف هؤلاء وأولئك أن العلوم التجريبية ذاتها سيضعف مستواها لأن الأساس فيها هو اللغة , وازدادت الأمور سوءاً في بعض الدول العربية حين أخذوا بنصائح العولمة , فأهملوا العربية , وأحلّوا الانكليزية محلّ الصدارة , وتبعتهم المدارس الخاصة في سورية وغيرها.
- الإيهام بصعوبة العربية : أُدخل في روع الناس أن العربية لغة صعبة , عصيّة على التعلم , هي لغة قديمة , وقواعدها بائدة , لا علاقة لها بالحداثة , ولا يمكن لها التعبير عن علوم العصر, وأنا أزعم أن اللغة العربية أسهل من كلِّ اللغات إن كان المجال مجال المقارنة بين السهولة والصعوبة , ولكنّ إضعاف الإحساس بالانتماء إلى العروبة يحتاج إلى مثل هذه المقولة , وأسهم المهتمون بالعربية عن حسن نية في هذا الوهم حين اعتقدوا أن النحو والإعراب هو الذي يعلِّم العربية , وأن الألفية مثل جيد لحفظ القواعد , والحقيقة أن النحو لا يتعدّى أن يكون سياجاً واقياً وحامياً , ويحتاج إلى أن يقدّم بصورة تليق بالعربية , أمّا تعلم العربية فلا يكون إلا من النصوص , قراءة ومنهجاً وبحثاً واستقصاء .
- الغربة بين بعض مسائل علوم العربية من جهة وبين الحياة المعاصرة من ناحية أخرى : لابدّ في اختيار عناصر المادة المدروسة , أو الكتاب المقرر في علوم العربية من التوازن بين النصوص التراثية والنصوص المعاصرة , ولابدّ من البعد عن افتعال تكوين نصوص غثّة باردة لتكون مثالاً لدروس علوم العربية , ويجب التضحية بكلّ القواعد والمسائل اللغوية التي لا صلة لها بحياتنا المعاصرة , ويجب أن توضّح العبارات المسكوكة في الإعراب أو المصطلحات النحوية القديمة كالتمييز والحال والمفعول المطلق ولا النافية للجنس وغيرها كثير , ويجب الاكتفاء بالصورة التي يجري عليها أكثر اللغة أو أكثر نصوصها الحديثة , ويجب البعد ما أمكن عن الجوازات التي جرّ إليها القياس أو التي جاءت تحت ما يسمى بالضرورة الشعرية , وأن يكون للإعراب وظيفة أساسية هي إدراك المعنى , ويجب التساهل في الشكل , وقبول التسكين مبدئياً .
- اختيار النصوص : النصّ النثري المختار يجب أن يتميّز بعنصري التشويق والإثارة , وأن يتم اختياره وفقاً لبحث علمي , والمرد من وراء ذلك التدرج المبني على التجربة , فتختار النصوص التي تغني الطالب بالمفردات من جهة وبالأساليب من جهة أخرى , ويجب ألا تطغى النصوص القطرية , لأن اللغة العربية عاملٌ من عوامل التوحيد , وأن يكون هنالك اتفاق بين مدراء التربية في الوطن العربي على ذلك .
- الاهتمام بالمعجم : لا أعرف لغة أغنى من اللغة العربية في معاجمها التراثية , ولكنها لتزيين المكتبات العامة أو بعض المكتبات الخاصة , ولا أعرف لغة من اللغات الحيّة أفقر من اللغة العربية في استخدام أبنائها للمعاجم العامة والخاصة , فنحن نفتقر في المعجم على تدريس طلابنا طريقة استخراج الكلمة من المعجم الذي يأخذ بآخر المفردة , والمعجم الذي يأخذ بأوائلها . والمعجم كنز من العلم والمعلومات اللغوية وغير اللغوية , والمتعلم يجب أن يكون على صلة بالمعجمات الخاصة والعامة , قيل هذا يجب أن تكون الثقافة المعجمية ثقافة عامة , ولابدّ من التوجه إلى هذا اللون من التأليف لأنه مازال قليلاً في الوطن العربي . نحن في حاجة إلى معجم معاصر يعنى بلغة الحياة التي نحياها حتى تقوم الصلة بيننا وبينه , فالصلة اليوم مقطوعة بالمعاجم القديمة لأنه لا فائدة منها .
- اللغة والأدب : العلاقة أساسية بينهما , والمزج أو الخلط بينهما يمكن أن يؤدي إلى مشكلة تعليمية , فأنا أقترح أن يتعلم الطالب في مرحلة التعليم الأساسي الأولى القراءة والكلام بالفصيحة , ثمّ يتدرب في مرحلة التعليم الأساسي الثانية على قضايا النحو والصرف والمعجم وغيرها من خلال نصوص فيها متعة وتشويق وفائدة , أمّا الأدب وقضاياه فيجب أن يترك للمرحلة الثانوية مع تذكير دائم بما كان من قواعد علوم العربية .
- التعبير : لا أعرف شكوى أكثر مرارة من شكوى التلاميذ والطلاب حين يكلفهم المعلم أو المعلمة بكتابة موضوع يعبرون فيه عن أمر ما , فلا المدرس يعرف الطريقة التي يوصل فيها الطلاب طريقة الكتابة , ولا الطالب قادر على الإبداع والابتكار لأنه لم يدرب على ذلك .
ودرس التعبير أو محاولة المتعلم التعبير عن شأن من شؤونه الخاصة أو من شؤون الحياة شيء له أهمية خاصة , وهو إحدى مهارات العربية ولعله أهمها .
للتخلص من هذه المشكلة أرى أن يختار المدرس موضوعاً كتب فيه هو أو غيره , ويطلب منهم بعد قراءته لهم ومناقشته معهم أن يكتبوا في الموضوع ذاته بعد أن يكونوا قد اطلعوا على نموذج أمامهم , وعليهم أن يتجاوزوهما أمكنهم ذلك ... ومع ذلك فالبحث في موضوع التعبير يحتاج إلى دراسة أعمق وأشمل وإلى تجريب مستمر حتى نصل إلى الطريقة المثلى لتعليم هذه المهارة .
- ازدواجية اللغة : ليست هذه المشكلة خاصة بتعليم اللغة العربية , فأغلب اللغات إن لم يكن كلها لديه ازدواجية في اللغات بل ازدواجيات , ولكنها تصبح مشكلة عصية على الحل حين يتم التعليم بالغة المحكية , وكأن التعليم بالفصيحة خاص بدرس اللغة العربية , بل إنني أزعم أن تعليم العربية يتم باللغة المحكية , وأزعم أيضاً أن بعض أساتذة الأدب والنحو في الجامعة يعلمون بالدارجة أو المحكية . والحقيقة أن التعليم بالفصيحة ليس مقصوراً على مدرس اللغة العربية , بل هو فرض واجب على كل من يعلم , فالفصيحة وسيلة التعبير السهلة والميسورة, وعلى من لا يستطيع ذلك أن يبتعد عن هذه المهنة , وهذا الأمر يجب أن يكون قراراً سياسياً أو وزارياً ترعاه الدولة .
- علم اللغة وتعليم اللغة : إن علم اللغة لا يعلم اللغة , إنه علم بقوانين اللغة , وفرق بين اللغة وقوانينها , فالقوانين سياج يحمي , ولكن التعلم لا يتمّ إلا من خلال الممارسة والدربة , والعدوى , فالقراءة الصحيحة للنصوص بصوت مرتفع , والكتابة بالفصيحة , ومنهم النصوص , وارتباط الكلام بعضه ببعض يؤدي إلى التعليم , ولابد من تسهيل هذا العلم , والتسهيل لا يتم إلا بتغيير القوانين , فالقانون ثابت , ولكن التسهيل يتم بإعادة النظر بالتعبير عن هذا القانون أو في اختيار القوانين اللغوية التي تشكل لغة الحياة المعاصرة .
- البيئة اللغوية : لابد من العمل على تنقية البيئة المكتوبة من الكلمات الأجنبية أو العامية , لقد شاعت في حياتنا الكتابة بالعامية أو بالأجنبية (( والكتابة بالأجنبية اعتراف بالضعف والتخلف )) للدعايات والإعلانات , فماذا يريد أعداء الأمة أكثر من ذلك ؟ إنّ ما أراده " ولكوكس " من رجال الحماية الانكليزية في مصر وهو الكتابة بلسان العامية المصرية قد تحقق بعد نضال في معاداته لأكثر من قرن من الزمان , إنّ البيئة اللغوية النظيفة تساعد على تعلم العربية الفصيحة .
- الإعلام : كان لابدّ للإعلام المسموع والمقروء والمرئي أثر بالغ في اتساع انتشار العربية الفصيحة , فالعربية الفصيحة التي يستخدمها الإعلام ولاسيما في نشرات الأخبار على ما فيها من أخطاء أسهمت في انتشار العربية , ولكن أصبح للإعلام دور سلبي وسيء في انتشار العاميّات , ولابد من إعادة النظر في هذا الأمر , فاستخدام الفصيحة البسيطة في المسلسلات يؤدي إلى انتشارها في الوطن العربي , ويؤدي إلى انتشار اللغة العربية الفصيحة أهم عامل للتوحيد . ولمّا كان الطفل يقضي ساعات طويلة أمام التلفاز , فإن تلك اللغة العامية التي لا نريدها تقف عائقاً أمام تعليم العربية الفصيحة .